أهلاً بكم يا رفاق المدونة الكرام! لطالما أبهرتنا رواندا بقصتها الملهمة في التعافي والنمو، فقد تحولت من رماد الماضي إلى منارة أمل في قلب إفريقيا. ولكن، هل فكرتم يومًا كيف يتجلى هذا التقدم على أرض الواقع في كل زاوية من زوايا هذا البلد الرائع؟ هل يعيش الجميع نفس مستوى الرفاهية، أم أن هناك تحديات خفية تختبئ خلف الأرقام الكبيرة؟ اليوم، سنتناول موضوعًا يمس صميم حياة الناس: معدلات الفقر المتفاوتة بين مناطق رواندا المختلفة.
إنها ليست مجرد إحصائيات جافة، بل هي قصص وحياة تستحق أن نلقي عليها الضوء، لنفهم بعمق التحديات والفرص التي يواجهها أهلنا هناك. دعونا نستكشف سويًا هذه الصورة المعقدة، ونتعرف على التفاصيل الدقيقة التي ستدهشكم وتغير نظرتكم.
رواندا الحبيبة: رحلة في قلب التفاوتات المعيشية بين الأهل والأحباب

يا جماعة الخير، من منا لم يسمع عن قصة رواندا العظيمة في النهضة والتحدي؟ لقد استطاعت بلاد الألف تل أن تنهض من رماد الماضي، لتصبح مثالاً يُحتذى به في التنمية والتقدم. ولكن، هل فكرتم يوماً، وأنا هنا أتكلم كصديقتكم التي تهتم بكل شبر من هذه الأرض الطيبة، كيف تتجسد هذه الأرقام اللامعة على أرض الواقع؟ هل يشعر بها كل مواطن ومواطنة بنفس القدر؟ أم أن هناك قصصاً أخرى، تحديات خفية، يعيشها أهلنا في مناطق مختلفة؟ لقد رأيت بعيني، وتحدثت مع الكثيرين، وأشعر أن الصورة ليست وردية بالكامل في كل زاوية، وهذا طبيعي في أي مسيرة تطوير. التفاوت في معدلات الفقر بين أقاليم رواندا ليس مجرد أرقام تُعرض في تقارير، بل هو واقع يومي يؤثر على حياة عائلات بأكملها، على أحلام الشباب، وعلى مستقبل الأطفال. دعوني أشارككم ما لمسته، وما تعلمته، لنتعمق سويًا في فهم هذا المشهد المعقد، وربما نخرج بتساؤلات وفرص جديدة تستحق أن نلتفت إليها.
همسة من القلب: المدن تتألق والريف يكافح
دائماً ما أقول إن العاصمة كيغالي تبهر الزائر بجمالها ونظافتها وتطورها، وهذا ليس سراً. البنية التحتية المتطورة، فرص العمل المتنوعة، والخدمات الحديثة، كلها عوامل تجعل الحياة هنا مختلفة تماماً عن كثير من المناطق الأخرى. لا أبالغ إن قلت إن شعوراً بالرفاهية يسود أجزاء كبيرة من المدينة، وهذا أمر يدعو للفخر. لكن بمجرد أن تبتعد قليلاً عن أضواء العاصمة، وتتوغل في المناطق الريفية، تبدأ التحديات في الظهور بوضوح أكبر. هناك حيث يعيش غالبية سكان رواندا، وحيث يعتمد حوالي 80% من السكان الفقراء بشكل أساسي على الزراعة. تخيلوا معي، كيف يمكن لأسرة أن تحقق الاكتفاء الذاتي من قطعة أرض صغيرة جداً، لا تتعدى مساحتها في المتوسط 0.4 هكتار؟ هذا تحدٍ كبير يجعل الحياة هناك صراعاً يومياً من أجل البقاء، ويزيد من الفجوة بين الريف والحضر. ما أزعجني أن هذه الفجوة لا تقتصر على الدخل فقط، بل تمتد لتشمل كل جوانب الحياة، من الوصول إلى التعليم الجيد، وحتى الخدمات الصحية والمياه النظيفة.
الزراعة: عصب الحياة ومرآة التحديات
الزراعة، يا أصدقائي، هي قلب رواندا النابض، فهي توفر قوت ما يقرب من 70% من السكان. لكني لاحظت أن هذا القطاع الحيوي يواجه تحديات جمة، خاصة في المناطق الأقل حظاً. فكروا معي، كيف يمكن للمزارع الصغير أن ينمو ويزدهر إذا كانت التربة فقيرة، والأحوال الجوية متقلبة، والوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا الحديثة حلماً بعيد المنال؟ لقد تحدثت مع سيدة في مقاطعة جنوبية، كانت تحكي لي عن مواسم الجفاف التي تضرب محاصيلها، وكيف أنها تضطر لبيع جزء من ماشيتها لتوفير الطعام لأطفالها. هذه ليست مجرد قصة فردية، بل هي صدى لواقع يعيشه الكثيرون في مناطق مثل المقاطعتين الغربية والجنوبية، حيث تتركز أعلى معدلات الفقر. المشاريع الزراعية الحديثة والتسهيلات الحكومية بدأت تحدث فرقاً في بعض المناطق، مثل مشروع تنمية الزراعة في بوغيسيرا الذي غير حياة الآلاف. لكننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد، لضمان أن يصل هذا الدعم إلى كل مزارع، في كل قرية، ليشعر الجميع بأنهم جزء من قصة النجاح الرواندية.
البنية التحتية والفرص الضائعة: حواجز خفية
عندما نتحدث عن التنمية، لا يمكن أن نغفل دور البنية التحتية. الطرق المعبدة، شبكات الكهرباء، والوصول إلى الإنترنت، كلها ليست رفاهيات، بل هي أساس لتمكين المجتمعات وخلق الفرص. تخيلوا أن هناك قرى لا تزال تعاني من نقص حاد في هذه الخدمات الأساسية. كيف يمكن لطالب أن يتعلم بفاعلية دون كهرباء للدراسة ليلاً؟ أو لمزارع أن يسوّق منتجاته بكفاءة دون طرق ممهدة؟ هذا التفاوت في البنية التحتية يخلق حواجز خفية تمنع الأفراد والمجتمعات من الوصول إلى إمكاناتهم الكاملة. لقد لمست بنفسي كيف أن نقص الطرق يرفع تكلفة نقل البضائع، مما يقلل من أرباح المزارعين ويزيد من أسعار المنتجات على المستهلكين.
التعليم والصحة: استثمار في البشر لا غنى عنه
لطالما آمنت بأن التعليم والصحة هما حجر الزاوية لأي نهضة حقيقية. رواندا حققت قفزات مذهلة في هذين القطاعين على المستوى الوطني، وهذا أمر يدعو للفخر. لكن، كالعادة، تظهر التفاوتات الإقليمية هنا أيضاً. في المناطق الريفية، وخاصة الأفقر منها، ما زلت أرى تحديات في الوصول إلى مدارس ذات جودة عالية ومعلمين مؤهلين. وحتى عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية، فإن المسافة إلى أقرب مركز صحي أو مستشفى يمكن أن تكون عائقاً كبيراً. سمعت قصصاً عن أمهات يقطعن مسافات طويلة سيراً على الأقدام للوصول إلى العيادة لأطفالهن. صحيح أن الحكومة تبذل جهوداً جبارة، وهناك مبادرات رائعة مثل تأمين الرعاية الصحية الشاملة، لكن علينا ألا ننسى أن كل طفل وكل أم في كل زاوية من رواندا يستحقون الأفضل، وهذا يتطلب استمرار التركيز على سد هذه الفجوات.
المدن الثانوية: أمل جديد لتخفيف الضغط على العاصمة
فكرت كثيراً في حل مشكلة تركز الفرص في العاصمة كيغالي. الحل الذي أراه واعداً، وقد بدأت الحكومة بالفعل في تبنيه، هو تطوير المدن الثانوية. عندما زرت بعض هذه المدن، مثل موسانزي وروبافو، شعرت ببارقة أمل حقيقية. هذه المدن لديها القدرة على أن تصبح “أقطاب نمو” جديدة، تخفف الضغط على كيغالي، وتوفر فرص عمل وتعليم وخدمات للمناطق المحيطة بها. وهذا بدوره يمكن أن يقلل من الهجرة الداخلية ويساهم في توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة. بالطبع، التحدي كبير، ويحتاج إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية والخدمات لتصبح هذه المدن جذابة حقاً للعيش والعمل. لكن إذا نجحنا في ذلك، أعتقد أننا سنرى تحولاً كبيراً في المشهد الاقتصادي والاجتماعي لرواندا بأسرها.
| المنطقة | النشاط الاقتصادي الرئيسي | متوسط سهولة الوصول للخدمات الأساسية (تقريبي) |
|---|---|---|
| مدينة كيغالي | خدمات، صناعة، سياحة | مرتفع جداً |
| المقاطعة الجنوبية | زراعة (خاصة المحاصيل الغذائية) | متوسط إلى منخفض |
| المقاطعة الغربية | زراعة (قهوة وشاي)، صيد الأسماك | متوسط إلى منخفض |
| المقاطعة الشمالية | زراعة (بطاطا، خضروات)، سياحة (جبال) | متوسط |
| المقاطعة الشرقية | زراعة (ذرة، أرز)، تربية الماشية | متوسط |
التحول الاقتصادي وأثره على الطبقات المختلفة
لقد شهدت رواندا تحولاً اقتصادياً ملحوظاً، من اقتصاد يعتمد بشكل كبير على الزراعة إلى آخر يتجه نحو الخدمات والصناعة. وهذا التحول، وإن كان ضرورياً للنمو على المدى الطويل، إلا أنني أراه يترك بعض الطبقات خلف الركب إذا لم يتم التعامل معه بحكمة. العمالة الريفية، التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة التقليدية، قد تجد صعوبة في التكيف مع متطلبات الاقتصاد الجديد. وهذا يزيد من شعورهم بالتهميش، وقد يدفع الكثيرين منهم إلى الهجرة للمدن بحثاً عن فرص، وهذا ما يخلق بدوره ضغطاً على البنية التحتية والخدمات في المناطق الحضرية. الحل، في رأيي، يكمن في برامج تدريب مهني مكثفة، وتسهيل الوصول إلى التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في المناطق الريفية، حتى يتمكنوا من التنوع في مصادر دخلهم ولا يعتمدوا فقط على الزراعة.
الرقمنة والشمول المالي: مفتاح للاندماج؟
في عصرنا هذا، لا يمكن الحديث عن التنمية دون ذكر التكنولوجيا والرقمنة. رواندا، ولله الحمد، خطت خطوات كبيرة في هذا المجال، وأصبح الإنترنت يصل إلى الكثير من المناطق. لقد رأيت بعيني كيف أن الهواتف الذكية وخدمات الدفع عبر الهاتف المحمول أحدثت ثورة في حياة الكثيرين، خاصة في القرى التي لا يوجد بها بنوك تقليدية. هذا الشمول المالي يمنح الناس فرصة أفضل لإدارة أموالهم، والوصول إلى القروض الصغيرة، وحتى تسويق منتجاتهم. لكن، وحتى هنا، ما زالت هناك فجوة رقمية بين المدن والأرياف. علينا أن نعمل بجد أكبر لضمان أن لا تصبح التكنولوجيا سبباً في تعميق التفاوتات بدلاً من تقليلها. يجب أن تكون مبادرات محو الأمية الرقمية متاحة للجميع، وأن تكون تكلفة الإنترنت في متناول اليد للجميع، حتى يشعر كل مواطن رواندي أنه جزء من هذا العصر الرقمي المتطور.
مبادرات حكومية وشراكات مجتمعية: بصيص أمل
بصراحة، لا يمكنني أن أتحدث عن التحديات دون أن أشيد بالجهود الجبارة التي تبذلها الحكومة الرواندية وشركاؤها لمواجهة هذه التفاوتات. لقد رأيت مبادرات حقيقية على أرض الواقع، مثل برنامج “أوبوديهي” الذي يهدف لتصنيف الأسر ومساعدتها بشكل مباشر. وهناك أيضاً برنامج “جيرينكا” الذي يقدم الأبقار للأسر الفقيرة، وهذا ليس مجرد تقديم للمساعدة، بل هو استثمار طويل الأجل يغير حياة الأسر بشكل جذري. ما أثار إعجابي حقاً هو روح التعاون المجتمعي التي رأيتها. الناس يتكاتفون لمساعدة بعضهم البعض، وهذا ما يسمى بـ “أوموغاندا” (العمل التطوعي المجتمعي). هذه الروح هي ما تعطي الأمل في أن رواندا ستتجاوز كل التحديات. لكن، يجب أن تكون هذه المبادرات مستدامة وتصل إلى أبعد نقطة، وألا تتوقف عند الأرقام العامة، بل تركز على كل فرد وعائلة، وتضمن أن صوت كل محتاج مسموع.
التضخم وتأثيره على الأسر ذات الدخل المحدود

في الآونة الأخيرة، ومع التغيرات الاقتصادية العالمية، بدأنا نشعر جميعاً بوطأة التضخم. الأسعار ترتفع، والقوة الشرائية تتآكل، وهذا يؤثر بشكل مضاعف على الأسر ذات الدخل المحدود، خاصة في المناطق الفقيرة. عندما يصبح سعر الغذاء الأساسي أغلى، يصبح الأمر معركة حقيقية بالنسبة لهذه العائلات لتأمين وجباتها اليومية. لقد سمعت من بعض الأمهات كيف يضطررن لتقليل عدد الوجبات أو نوعية الطعام لتوفير المال، وهذا يؤثر بشكل مباشر على صحة الأطفال وتغذيتهم. هذا التحدي، في رأيي، يتطلب استجابة سريعة وموجهة، من خلال شبكات أمان اجتماعي أقوى، ودعم مباشر للأسر الأكثر ضعفاً، لضمان ألا يرتفع معدل الفقر مجدداً بسبب الظروف الاقتصادية التي قد تكون خارجة عن سيطرتنا.
التمكين الاقتصادي للمرأة ودوره في تقليل الفجوة
يا رفاق، عندما نتحدث عن التنمية الشاملة، لا يمكننا إغفال دور المرأة في المجتمع الرواندي. لقد قطعت رواندا أشواطاً طويلة في تمكين المرأة، وهذا يظهر جلياً في نسبة تمثيلها في البرلمان وحتى في المناصب القيادية. هذا أمر نفتخر به جميعاً. لكني أرى أن التمكين الاقتصادي للمرأة، خاصة في المناطق الريفية، هو مفتاح سحري لتقليل التفاوتات في الفقر. عندما تتمكن المرأة من الحصول على دخل مستقر، فإن ذلك لا يعود بالنفع عليها وحدها، بل على أسرتها بأكملها، وعلى المجتمع ككل. الأم التي لديها دخل تستطيع أن توفر تعليماً أفضل لأطفالها، وغذاء صحياً، ورعاية صحية لائقة. يجب أن نستمر في دعم المبادرات التي توفر التدريب المهني للنساء، وتسهل عليهن الوصول إلى الأسواق والتمويل، وخاصة في مجالات مثل الحرف اليدوية أو الزراعة المستدامة. هذا ليس مجرد عدل اجتماعي، بل هو استثمار ذكي يعود بالفائدة على الجميع.
الشباب ومستقبل رواندا: بناء الأمل
أثناء رحلاتي، أرى في عيون الشباب الرواندي طموحاً لا يصدق وحباً لوطنهم. إنهم المستقبل، وهم المحرك الحقيقي للنهضة. لكن، لا يمكننا أن نتجاهل التحديات التي يواجهونها، خاصة في المناطق التي تعاني من ارتفاع معدلات الفقر. البطالة بين الشباب، وعدم توافق المهارات مع متطلبات سوق العمل، كلها قضايا تحتاج إلى حلول عاجلة. لا يكفي أن نبني المدارس، بل يجب أن نضمن أن التعليم الذي يتلقاه هؤلاء الشباب يؤهلهم للوظائف المستقبلية، سواء في القطاع الزراعي الحديث أو في قطاعات الخدمات والصناعة المتنامية. برامج الإرشاد المهني، ودعم ريادة الأعمال للشباب، وربطهم بالفرص في المدن الثانوية، كلها خطوات حاسمة لضمان ألا يشعر أي شاب بأنه متروك خلف الركب. يجب أن نبني الأمل في قلوبهم، ونريهم أن مستقبلهم مشرق في هذه الأرض الطيبة.
التغير المناخي وأثره المتزايد على المناطق الفقيرة
أعتقد أن أحد أكبر التحديات التي بدأت تلوح في الأفق، والتي ستؤثر بشكل خاص على المناطق الأكثر فقراً، هو التغير المناخي. لقد تحدثت مع مزارعين يشتكون من تغير أنماط الأمطار، مواسم جفاف غير متوقعة، وفيضانات تدمر المحاصيل وتجرف التربة. تخيلوا معي، هؤلاء الناس يعتمدون بشكل مباشر على الطبيعة لكسب قوت يومهم. عندما تضرب الكوارث الطبيعية، فإنها لا تدمر محاصيلهم فحسب، بل تدمر سنوات من الجهد والأمل، وتدفعهم نحو هاوية الفقر. هذا ليس تحدياً يمكننا تجاهله، بل يتطلب منا جميعاً، حكومات ومجتمعات ومنظمات، أن نعمل معاً لتطوير حلول مستدامة. يجب أن ندعم المزارعين في تبني ممارسات زراعية أكثر مرونة وتكيفاً مع التغيرات المناخية، وتوفير أنظمة إنذار مبكر، وبناء بنية تحتية مقاومة للكوارث. يجب أن نحمي أهلنا من هذه التهديدات المتزايدة، فليس من العدل أن يدفع الفقراء ثمن أزمة لم يتسببوا فيها.
نظرة نحو المستقبل: التضامن هو الحل
بعد كل هذه الرحلات والتجارب، وما رأيته ولمسته في مناطق رواندا المختلفة، أرى أن الطريق نحو تقليل التفاوتات في الفقر يتطلب تضافر جهود الجميع. لا يمكن للحكومة وحدها أن تفعل كل شيء، ولا يمكن للمجتمع المدني وحده أن يحل المشكلة، ولا حتى القطاع الخاص. إنها مسؤولية مشتركة. التضامن بين أهل كيغالي المزدهرة وأهل القرى النائية، بين الأغنياء والفقراء، هو المفتاح الحقيقي للتقدم. يجب أن نتبادل الخبرات، وأن نمد يد العون، وأن نضمن أن كل مبادرة تنموية تستهدف الوصول إلى أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها. إن قصة رواندا العظيمة لن تكتمل إلا عندما يشعر كل مواطن ومواطنة بأنهم جزء أصيل من هذه النهضة، وعندما تذوب الفجوات، وتتساوى الفرص في كل زاوية من زوايا هذا البلد الجميل. أنا متفائلة، وبجهودنا جميعاً، سنرى رواندا تتألق كمنارة للعدالة الاجتماعية والرخاء للجميع.
في الختام
وهكذا، يا أحبابي، نكون قد أتممنا رحلة معًا في تفاصيل واقع رواندا، ذلك البلد الذي أحبه وأشعر تجاهه بالكثير. لقد رأينا كيف أن قصة النجاح لا تزال تحمل في طياتها تحديات عميقة، خاصة فيما يتعلق بالتفاوتات المعيشية. لكن ما يجعلني متفائلة دائمًا هو الروح الرواندية الأصيلة، هذه الروح التي لا تعرف اليأس وتتمسك بالأمل والتضامن. فكل خطوة نحو العدالة، وكل مشروع يلامس حياة المحتاجين، هو بمثابة بذرة نزرعها لمستقبل أفضل. دعونا نواصل دعم هذه المسيرة، وكلٌّ من موقعه، لنبني معاً رواندا أكثر ازدهاراً وعدلاً لكل أبنائها.
معلومات مفيدة قد تهمك
1. أولاً، من المهم أن تعلموا أن رواندا ليست دولة تعتمد على النفط، بل هي تركز بشكل كبير على الزراعة والسياحة كمحركات رئيسية لاقتصادها. وهذا يجعلها أكثر عرضة للتحديات المناخية وتغيرات الأسواق العالمية، مما يبرز أهمية تنويع مصادر الدخل ودعم الابتكار في القطاعات الأخرى لضمان استقرار النمو وعدم تأثر شرائح كبيرة من المجتمع بالتقلبات الخارجية.
2. ثانياً، الزراعة هي أساس رزق الغالبية العظمى من السكان، خاصة في المناطق الريفية. أي استثمار في هذا القطاع، من تحسين البذور وتوفير السماد إلى التدريب على التقنيات الحديثة وممارسات الزراعة المستدامة، له تأثير مباشر وكبير على مستويات المعيشة وتقليل الفقر. لقد رأيت بنفسي كيف أن مشروعًا زراعيًا صغيرًا يمكن أن يغير حياة قرية بأكملها ويمنح الأسر استقرارًا غذائيًا وماديًا.
3. ثالثاً، انتبهوا لدور المدن الثانوية في خطة رواندا التنموية. هذه المدن مثل موسانزي وروبافو ليست مجرد نقاط على الخريطة، بل هي مراكز واعدة لتوزيع التنمية والفرص خارج العاصمة كيغالي. الاستثمار فيها ودعم نموها يعني تخفيف الضغط عن العاصمة وتوفير حياة أفضل للكثيرين، من خلال خلق فرص عمل جديدة وتحسين جودة الخدمات المحلية.
4. رابعاً، التكنولوجيا والشمول المالي، خاصة عبر خدمات الدفع بالهاتف المحمول، تلعب دورًا محوريًا في تمكين الأسر وتحسين وصولها للخدمات المالية. لا تستهينوا بقوة الهاتف الذكي في يد مواطن ريفي؛ فهو بوابة للعالم والفرص التجارية والتعليمية. أتمنى أن نرى المزيد من المبادرات التي تسد الفجوة الرقمية وتجعل هذه الأدوات متاحة وبأسعار معقولة للجميع.
5. خامساً وأخيراً، برامج الحماية الاجتماعية والمبادرات المجتمعية مثل ‘أوبوديهي’ و’جيرينكا’ و’أوموغاندا’ ليست مجرد كلمات، بل هي أمثلة حية على التزام رواندا برعاية الفئات الأكثر ضعفاً. هذه البرامج، وإن كانت بحاجة إلى توسيع وتجويد مستمر، تشكل شبكة أمان حيوية وتجسد روح التضامن التي بنيت عليها رواندا الجديدة. علينا جميعاً أن نثمن هذه الجهود وندعمها لتصل إلى أقصى مدى.
أهم النقاط التي استخلصناها
في نهاية رحلتنا هذه، أود أن ألخص لكم أهم ما استخلصته من واقع رواندا المتطور. أولاً، التنمية ليست مجرد أرقام تُعرض في تقارير، بل هي تجارب حية تتفاوت من منطقة لأخرى، وعلينا ألا نغفل الفروقات الجوهرية بين المدن والريف التي تؤثر على حياة الملايين. ثانياً، دعم الزراعة وتطوير البنية التحتية في المناطق الأقل حظاً، مثل الطرق والكهرباء والمياه، أمر حيوي لتحقيق عدالة أكبر في توزيع الثروات والفرص، مما يفتح آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي المحلي. ثالثاً، الاستثمار في البشر، من خلال توفير التعليم الجيد والرعاية الصحية الشاملة، بالإضافة إلى التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب، هو أساس بناء مستقبل مستدام وشامل للجميع، فالقوى العاملة المتعلمة والمدربة هي عماد أي نهضة. رابعاً، التضامن المجتمعي والشراكات الفعالة بين الحكومة والمواطنين والقطاع الخاص هي الروح الحقيقية التي تدفع عجلة التقدم وتضمن استمراريته، فبدون تضافر الجهود، تظل التحديات عصية على الحل. وأخيراً، لا يمكننا إغفال التحديات الجديدة كالتغير المناخي الذي يهدد سبل العيش، وارتفاع معدلات التضخم التي تثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود، والتي تتطلب استجابات مبتكرة وموجهة لحماية الفئات الأكثر ضعفاً. إن رواندا تسير بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق، لكن هذا المستقبل يجب أن يكون شاملاً يضم كل أبنائها ويمنحهم ذات الفرص للعيش الكريم.
الأسئلة الشائعة (FAQ) 📖
س: الكل يتحدث عن “معجزة رواندا الاقتصادية” وانخفاض معدلات الفقر. هل هذا يعني أن الفقر أصبح شيئًا من الماضي في هذا البلد الرائع؟
ج: يا أصدقائي الأعزاء، بصراحة تامة، عندما أرى رواندا اليوم، أشعر بذهول حقيقي! تخيلوا بلدًا نهض من رماد الإبادة الجماعية عام 1994، ليصبح حديث العالم عن النمو والتطور.
الأرقام لا تكذب أبدًا؛ فمعدلات الفقر انخفضت بشكل ملحوظ، من حوالي 60-78% في بداية الألفية إلى نحو 38-39% في السنوات الأخيرة. هذا إنجاز عظيم بكل المقاييس، وهو دليل على إرادة شعب وحكومة لا تعرف المستحيل.
فعلاً، لقد شهدتُ بنفسي كيف تتغير المدن وتزدهر، وكيف تتحسن حياة الكثيرين. ولكن، دعوني أكون شفافة معكم، هذه الصورة الجميلة لا تعكس الواقع بكل تفاصيله الدقيقة.
صحيح أن التقدم مذهل، لكن الفقر لم يصبح “شيئًا من الماضي” للجميع، وهذا ما يجعل قصص رواندا أكثر إنسانية وتعقيدًا. هناك جانب آخر للعملة، وتحديات لا تزال قائمة تستدعي منا المزيد من التفكير والعمل.
س: إذا كان هناك تفاوت، فأين يتجلى هذا التفاوت في معدلات الفقر برواندا؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه الفروقات بين المناطق؟
ج: هذا هو مربط الفرس يا رفاق، وهذا ما يجعل القصة أكثر واقعية وتأثيرًا. التفاوت الصارخ يظهر بوضوح بين مدن رواندا النابضة بالحياة، وعاصمتها كيغالي التي تعتبر بالفعل واحدة من أنظف وأكثر المدن تنظيمًا في إفريقيا، وبين المناطق الريفية الشاسعة.
عندما زرت بعض القرى، شعرت بالاختلاف الكبير. في الريف، يعيش غالبية السكان، ويعتمدون بشكل أساسي على الزراعة وتربية الماشية. تخيلوا أن حوالي 90% من السكان يعتمدون على زراعة الكفاف!
هذا يجعلهم عرضة بشكل كبير لتقلبات الطقس وتغيرات الأسعار. البنية التحتية، مثل الطرق والكهرباء، لا تزال بحاجة إلى الكثير من التطوير هناك. فبينما تصل الكهرباء إلى ما يقرب من 98% من المناطق الحضرية، فإنها لا تتجاوز 38% في الريف.
وهذا يؤثر على كل شيء، من قدرة الأطفال على الدراسة ليلاً إلى فرص العمل وتطور المشاريع الصغيرة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة عميقة تتعلق بتوزيع الأراضي، حيث أن جزءًا كبيرًا من الأراضي الصالحة للزراعة لا يزال في أيدي قلة، مما يترك الكثير من الأسر دون موارد كافية لتلبية احتياجاتها اليومية.
هذه كلها عوامل تخلق فجوة كبيرة بين “رواندا المدن” و”رواندا الريف”.
س: ما الذي تفعله الحكومة الرواندية لمواجهة هذا التفاوت الإقليمي في الفقر، وما هي رؤيتكم للمستقبل؟
ج: بصراحة، الجهود الحكومية جديرة بالاحترام، وهذا ما يمنحنا الأمل دومًا. لقد عملت الحكومة بجد منذ عام 2000 على صياغة وتنفيذ استراتيجيات قوية للتنمية.
أنا أرى أنهم يركزون على ثلاثة محاور أساسية: أولاً، الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، وهذا شيء لمسته بنفسي في كل مكان، من العاصمة إلى أبعد القرى. ثانيًا، تطوير الموارد البشرية، خاصة من خلال التعليم والتدريب المهني، حتى يتمكن الشباب في الريف والحضر من إيجاد فرص أفضل.
وثالثًا، وهذا مهم جدًا للمناطق الريفية، هو تطوير البنية التحتية والاستثمار في الزراعة، مثل تحسين طرق النقل لتسهيل وصول المنتجات الزراعية إلى الأسواق. كما أنهم يشجعون على إنشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويوفرون برامج دعم للمزارعين، حتى إنني سمعت عن مبادرات مثل تمليك الأبقار للأسر لزيادة دخلها!
الطموح كبير، فرواندا تسعى لتصبح دولة ذات دخل متوسط بحلول عام 2050، وتركز على بناء اقتصاد قائم على الصناعة والخدمات والابتكار. التحدي كبير، والرحلة طويلة، لكن الإرادة موجودة.
وكما تعلمون، أنا أؤمن دائمًا بأن التنمية الحقيقية لا تأتي إلا عندما يشعر الجميع، في كل زاوية من زوايا الوطن، بأنهم جزء من هذه القصة الناجحة. أتمنى أن نرى يومًا تختفي فيه هذه الفجوات تمامًا، وتزدهر كل منطقة في رواندا بنفس القدر من الرفاهية.






